فصل: سئل: عمن يدخل الحمام هل له كشف العورة في الخلوة؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


 وَسُئِلَ عمن يدخل الحمام هل يجوز له كشف العورة في الخلوة‏؟‏ وما هو الذي يفعله من آداب الحمام‏؟‏

فأجاب‏:‏

لا يلزم المتطهر كشف عورته، لا في الخلوة، ولا في غيرها، إذا طهر جميع بدنه‏.‏ لكن إن كشفها في الخلوة لأجل الحاجة‏:‏ كالتطهر، والتخلي، جاز كما ثبت في الصحيح أن موسى ـ عليه السلام ـ اغتسل عريانًا، وأن أيوب ـ عليه السلام ـ اغتسل عريانًا وفي الصحيح أن فاطمة‏:‏ كانت تستر النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح بثوب وهو يغتسل، ثم صلى ثماني ركعات وهي التي يقال لها صلاة الضحى‏.‏ ويقال‏:‏ إنها صلاة الفتح، وفي الصحيح ـ أيضًا ـ أن ميمونة سترته فاغتسل‏.‏

/وعلى داخل الحمام أن يستر عورته، فلا يمكن أحدًا من نظرها ولا لمسها، سواء كان القيم الذي يغسله أو غيره، ولا ينظر إلى عورة أحد ولا يلمسها، إذا لم يحتج إلى ذلك لأجل مداواة أو غيرها، فذاك شيء آخر‏.‏ وعليه أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر بحسب الإمكان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان‏)‏ فيأمر بتغطية العورات فإن لم يمكنه ذلك وأمكنه أن يكون حيث لا يشهد منكرًا فليفعل ذلك، إذ شهود المنكر من غير حاجة ولا إكراه منهي عنه‏.‏

وليس له أن يسرف في صب الماء؛ لأن ذلك منهي عنه مطلقًا، وهو في الحمام ينهي عنه لحق الحمامي؛ لأن الماء الذي فيها مال من أموال له قيمة، وعليه أن يلزم السنة في طهارته؛ فلا يجفو جفاء النصارى، ولا يغلو غلو اليهود‏.‏ كما يفعل أهل الوسوسة، بل حياض الحمام طاهرة، ما لم تعلم نجاستها، سواء كانت فائضة أو لم تكن، وسواء كانت الأنبوب تصب فيها، أو لم تكن، وسواء بات الماء أو لم يبت، وسواء تطهر منها الناس أو لم يتطهروا‏.‏ فإذا اغتسل منها جماعة جاز ذلك، فقد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وامرأته من إناء واحد قدر / الفرق فهذا إناء صغير لا يفيض، ولا أنبوب فيه، وهما يغتسلان منه جميعًا، وفي لفظ‏:‏ فأقول‏:‏ دع لي ويقول‏:‏ دعي لي‏.‏

وفي صحيح البخاري عن ابن عمر‏:‏ أن الرجال والنساء كانوا يتوضؤون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد‏.‏ وقد ثبت عنه أنه كان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع‏.‏ والصاع عند أكثر العلماء يكون بالرطل المصري أقل من خمسة أرطال، نحو خمسة إلا ربعًا، والمد ربع ذلك‏.‏ وقيل ‏:‏هو نحو من سبعة أرطال بالمصري‏.‏

وليس للإنسان أن يقول‏:‏ الطاسة إذا وقعت على أرض الحمام تنجست، فإن أرض الحمام الأصل فيها الطهارة، وما يقع فيها من نجاسة كبول فهو يصب عليه من الماء ما يزيله، وهو أحسن حالا من الطرقات بكثير، والأصل فيها الطهارة، بل كما يتيقن أنه لابد أن يقع على أرضها نجاسة، فكذلك يتيقن أن الماء يعم ما تقع عليه النجاسة، ولو لم يعلم ذلك، فلا يجزم على بقعة بعينها أنها نجسة، إن لم يعلم حصول النجاسة فيها‏.‏ والله أعلم‏.‏

/ مَا تقول السَّادة العُلمَاء ـ رضي الله عَنهم أجمعين ـ فيمن دخل الحمام بلا مئزر، مكشوف العورة‏:‏ هل يحرم ذلك أم لا‏؟‏ وهل يجب على ولي الأمر منع من يفعل ذلك أم لا‏؟‏ وهل يجب على ولي الأمر ـ أيضًا ـ أن يلزم مستأجر الحمام ألاّ يمكن أحدًا من دخول حمامه مكشوف العورة أم لا‏؟‏ وفيمن يقعد في الحمام وقت صلاة الجمعة ويترك الصلاة‏:‏ هل يمنع من ذلك أم لا‏؟‏ أفتونا، وابسطوا القول في ذلك‏.‏

فأجاب شيخ الإسلام بقية السلف الكرام، الشيخ تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية‏:‏

الحمد للَّه، نعم يحرم عليه ذلك باتفاق الأئمة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهي الناس عن الحمام ‏[‏بغير مئزر‏]‏، وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر من ذكور أمتي فلا يدخل الحمام إلا بمئزر‏)‏ وفي الحديث‏:‏ ‏(‏نهي النساء من الدخول مطلقًا إلا لمعذرة‏)‏ وفي الحديث الثابت عنه الذي استشهد به البخاري حديث معاوية بن حيدة القشيري أنه قال له‏:‏‏(‏احفظ/عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك‏)‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ فإذا كان القوم بعضهم في بعض‏؟‏ قال‏:‏ إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها، قال‏:‏ قلت‏:‏ يارسول الله، إذا كان أحـدنا خاليا، قال‏:‏ ‏(‏ فاللَّه أحق أن يستحيى منه من الناس‏)‏‏.‏ أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال‏:‏ حسن‏.‏ وابن ماجه‏.‏

وعلى ولاة الأمور النهي عن ذلك، وإلزام الناس بألا يدخل أحد الحمام مع الناس إلا مستور العورة، وإلزام أهل الحمام بأنهم لا يمكنون الناس من دخول حماماتهم إلا مستوري العورة، ومن لم يطع الله ورسوله وولاة الأمر من أهل الحمام، والداخلين، عوقب عقوبة بليغة تردعه وأمثاله من أهل الفواحش، الذين لا يستحيون لا من الله ولا من عباده؛ فإن إظهار العورات من الفواحش‏.‏ وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 30‏]‏، وغض البصر واجب عما لا يحل التمتع بالنظر إليه‏:‏ من النسوة الأجنبيات، ونحو ذلك، وعن العورات، وإن لم يكن بالنظر إليها لذة لفحش ذلك‏.‏

ولهذا كان على داخل الحمام أن يغض بصره عمن كان مكشوف العورة، وإن كان ذلك الرجل قد عصى بكشفها، وعليه أن يأمر المكشوف بالاستتار، فإن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يجب على الناس، وكذلك حفظ الفروج يكون عن الاستمتاع /المنهي عنه، وعن إظهارها لمن ليس له أن يراها‏.‏ كما ينهي الرجل عن مس عورة غيره، كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي أن يباشر الرجل الرجل في ثوب واحد، وأن تباشر المرأة المرأة في ثوب واحد، وأمر بالتفريق في المضاجع بين الصبيان إذا بلغوا عشر سنين‏.‏ كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله‏:‏ ‏(‏احفظ عورتك إلا من زوجتـك، أو ما ملكت يمينك‏)‏ لما قال له‏:‏ يا رسول الله عوراتنا، ما نأتي‏؟‏ وما نذر‏؟‏‏.‏‏.‏‏.‏ فإذا كان القوم بعضهم في بعض، قال‏:‏ ‏(‏إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها‏)‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ فإذا كان أحدنا خاليًا، قال‏:‏ ‏(‏فاللَّه أحق أن يستحيى منه من الناس‏)‏ فأمر بسترها في الخلوة‏.‏ وهذا واجب عند أكثر العلماء‏.‏

وأما إذا اغتسل في مكان خال بجنب حائط أو شجرة ونحو ذلك في بيته أو حمام أو نحو ذلك فإنه يجوز له كشفها في هذه الصورة، عند الجمهور‏.‏ كما ثبت في الصحيح‏:‏ أن موسى اغتسل عريانًا وأن أيوب‏:‏ اغتسل عريانًا وأن فاطمة كانت تستر النبي صلى الله عليه وسلم بثوب ثم يغتسل‏.‏

وهذا كشف للحاجة بمنزلة كشفها عند التخلى والجماع بمقدار الحاجة ولهذا كره العلماء للمتخلي أن يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض‏.‏

/وتنازعوا في نظر كل من الزوجين إلى عورة الآخر‏:‏ هل يكره أو لا يكره‏؟‏ أم يكره وقت الجماع خاصة‏؟‏ على ثلاثة أقوال معروفة، في مذهب أحمد، وغيره‏.‏

وقد كره غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره النزول في الماء بغير مئزر، ورووا عن الحسن والحسين أو أحدهما أنه كره ذلك، وقال‏:‏ إن للماء سكانًا‏.‏

وأما فتح الحمام وقت صلاة الجمعة، وتمكين المسلمين من دخولها هذا الوقت، وقعودهم فيها تاركين لما فرضه الله عليهم من السعي إلى الجمعة، فهذا ـ أيضًا ـ محرم باتفاق المسلمين، وقد حرم الله بعد النداء إلى الجمعة البيع الذي يحتاج إليه الناس في غالب الأوقات، وكان هذا تنبيها على ما دونه، من قعود في الحمام، أو بستان، أو غير ذلك، والجمعة فرض باتفاق المسلمين، فلا يجوز تركها لغير عذر شرعي، وليس دخول الحمام من الأعذار باتفاق المسلمين، بل إن كان لتنعم كان آثما عاصيًا، وإن كانت عليه جنابة أمكنه الاغتسال قبل ذلك، وليس له أن يؤخر الاغتسال، ولا يجوز ترك الصلاة‏.‏

بل على ولاة الأمور أمر جميع من تجب عليه الجمعة بها من أهل الأسواق والدور وغيرهم، ومن تخلف عن هذا الواجب عوقب على/ ذلك عقوبة تحمله وأمثاله على فعل ذلك‏.‏ فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏لينتهين أقوام عن تركهم الجمعات أو ليطبعن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏من ترك ثلاث جمع تهاونًا من غير عذر طبع الله على قلبه‏)‏‏.‏

وهذا الذي ذكرناه من وجوب أمر من تجب عليه الجمعة بها، ونهيه عما يمنعه من الجمعة متفق عليه بين الأئمة‏.‏ والله أعلم‏.‏ كتبه أحمد بن تيمية‏.‏

 وقال شيخ الإسلاَم ـ رَحِمهُ الله ‏:‏

الحمد للَّه، وحسبي الله ونعم الوكيل، يحرم كشف العورة في الحمام وغيره من غير مسوغ شرعي، وعلى ولي الأمر ـ أيده الله ـ منع من يفعل ذلك بطريقة شرعية، وعليه ـ أيضًا ـ إلزام مستأجر الحمام بألا يمكن أحدًا من دخوله على الوجه الممنوع، ولا يحل لأحد ممن خوطب بأداء الجمعة تركها من غير عذر، وليس دخول الحمام بمجرده عذرًا في تركها والله أعلم‏.‏

/ وَسُئِلَ عن ترك دخول الحمام‏؟

فأجاب‏:‏

من ترك دخول الحمام لعدم حاجته إليه فقد أحسن، ومن دخلها مع كشف عورته، والنظر إلى عورات الناس، أو ظلم الحمامي فهو عاص مذموم، ومن تنعم بها لغير حاجة فهو منقوص مرجوح، ومن تركها مع الحاجة إليها حتى يكثر وسخه وقمله فهو جاهل مذموم‏.‏

 وَسُئِلَ عن رجل عامي سئل عن عبور الحمام‏؟‏ ونقل حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرم ذلك، وأسند الحديث إلى كتاب مسلم هل صح هذا أو لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

ليس لأحد، لا في كتاب مسلم، ولا غيره من كتب الحديث، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم الحمام، بل الذي في السنن أنه/ قال‏:‏ ‏(‏ستفتحون أرض العجم وتجدون فيها بيوتًا يقال لها الحمامات، فمن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر من ذكور أمتي فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كانت تؤمن باللَّه واليوم الآخر من إناث أمتي فلا تدخل الحمام إلا مريضة أو نفساء‏)‏‏.‏

وقد تكلم بعضهم في هذا الحديث‏.‏

والحمام من دخلها مستور العورة، ولم ينظر إلى عورة أحد، ولم يترك أحدًا يمس عورته ولم يفعل فيها محرمًا، وأنصف الحمامي، فلا إثم عليه، وأما المرأة فتدخلها للضرورة مستورة العورة‏.‏

وهل تدخلها إذا تعودتها وشق عليها ترك العادة‏؟‏ فيه وجهان في مذهب أحمد وغيره‏.‏

أحدهما‏:‏ لها أن تدخلها، كقول أبي حنيفة واختاره ابن الجوزي‏.‏

والثاني‏:‏ لا تدخلها، وهو قول كثير من أصحاب الشافعي، وأحمد، وغيرهما‏.‏ والله أعلم‏.‏